د. إيلي جرجي الياس - هتلر ينتشر، بورمان يشتهر، غوبلز ينتحر، وبرلين تحتضر!!

  • شارك هذا الخبر
Saturday, May 11, 2019



جوزف غوبلز، وزير الدعاية السياسية الألمانيّ النازيّ، القادر على تحويل الحقائق الى أكاذيب، حتى ليصدّقها الجميع بعد حين ! هو من صنع وأنتج رواية انتحار أدولف هتلر وإيفا براون الرسمية والمزعومة بالدرجة الأولى، لتغطية هروبهما برفقة الطيارة الشهيرة والمغامرة الخطيرة هانا رايتش !! وكما في كل مسيرته، ساعدته طبعاً زوجته وشريكته ماغدا غوبلز !!
وفي سبيل بلوغ هتلر الأرض البعيدة، لتكون له وإيفا فرصة الحياة الجديدة، كان لا بدّ لغوبلز أن يضحي بنفسه وعائلته بطريقة تراجيدية ورهيبة ! فقد انتحر في المعقل في برلين في 1 أيار 1945، مع زوجته ماغدا وأولادهما الستة، وقد أتمت ماغدا عملية قتل أولادها بمساعدة الطبيب شتومبفغر، وما ذنب الطفولة في صراع دمويّ ومخيف كهذا !! وليزيد الغموض غموضاً، طلب غوبلز من روخوس ميش الحارس الشخصي لهتلر مغادرة المعقل قبل انتحاره، ليبقى شاهد وحيد، ليروي الحكاية لاحقاً، هو يوهانس هنتشل، آخر من غادر المعقل !! جوزف غوبلز، فوهرر الرايخ الرابع لثلاثة أيّام (29 نيسان - 1 أيّار 1945) !!
رغم حراجة الموقف في المعقل، احتفظ غوبلز برباطة جأشه، مشرفاً حتى اللحظات الأخيرة على أدقّ التفاصيل، فالشكّ ضروريّ في كل تفصيل ولو صغير، والغموض يفعل فعل السحر لدى الباحثين عن الحقيقة مستقبلاً، والريبة مفتاح الخيبة !! ولكن للحقيقة، رغم كل ما فعله غوبلز، أن تسطع مشرقةً، ولو بعد سنين كثيرة وأبحاث ومؤلفات ومذكّرات عديدة !!
أما وقد انتحر غوبلز، فقد أنقذت شجاعة هانا رايتش، هتلر وإيفا ! وبدأت المسيرة الطويلة وصولاً الى أميركا الجنوبية، وبالشكل الأكثر ترجيحاً الى الأرجنتين ! وكان دور غوبلز كبيراً في إطلاق الحدث، ومع انتحاره، هندس عملية الهروب المهندس البارع ألبرت شبير، مستشار فوهرر الرايخ الثالث هتلر، والذي بات مستشار فوهرر الرايخ الرابع الأميرال كارل دونيتز، خليفة هتلر ورئيس حكومة فلينزبورغ الانتقالية ! المعبر إسبانيا، بدعم حاكمها المطلق، آخر الحكام الفاشيين، الجنرال فرانسيسكو فرانكو ! والمستقر، بدعم من حاكم الارجنتين الجديد، الفاشيّ الهوى، خوان بيرون ! أما الأسرار ففي عهدة أوفى الأوفياء : مارتن بورمان !
إنّه مارتن بورمان، أمين سرّ الفوهرر، كاتم أسراره الدائم، الغامض في حياته، والأكثر غموضاً يوم اختفى عن مسرح الأحداث، وفي جعبته أجوبة للكثير من الأسئلة، وأسرار الدولة والقيادة النازية العليا، ولا زال البحث عنه مستمراً حتى يومنا الحاضر !! لا بدّ أنّ رجل الأسرار مارتن بورمان رافق الرجل الذئب أدولف هتلر حتى الأرجنتين !!
لقد كلّف الفوهرر بورمان بمسؤوليات كبيرة، ويبدو أنّه كلّفه أيضاً برعاية أسراره الخاصة وأسرار النازية أيضاً، بالإضافة الى غستابو مولر : هاينريش مولر !! وفي اختفاء الاثنين، وبخاصة اختفاء بورمان يكمن لغز كبير !! وكان آخر ما فعله بورمان، برقية مذيّلة بتوقيعه تخبر الاميرال دونيتز أنّ الفوهرر قد عيّنه خليفة له بدلاً من الماريشال هرمان غورينغ !! وقبلها برقية الى دونيتز تفضح خيانة هملر أيضاّ، وقد استطاع الأخير الدفاع عن نفسه أمام دونيتز ليستمر وجوده حتى مع حكومة فلينزبورغ !! حراك بورمان في اللحظات الأخيرة والحاسمة، ودوره المركزيّ بتحديد مسار المرحلة الانتقالية، رتّبا غموضاً هائلاً لا بدّ أن ينجلي يوماً، وقد سعت إلى بورمان الأنظمة والحكومات والأجهزة الاستخبارية طويلاً !!
كل الذي سبق ! وبرلين تحترق ! في بحر من النار والعذاب والدمار، لامست الغرق ! يا لمصير مدينة الحضارة والرقي والعشق ! وإذا أدرك هتلر بمن يثق ! وها هو في الأرض البعيدة ينتشر ! ولأجله غوبلز صديقه الصدوق ينتحر ! وبورمان مع هتلر دائماً أبداً، ومنذ لحظة الاختفاء يشتهر ويشتهر ! فما ذنب برلين أن تدفع كل الثمن وأن تحتضر ؟ 1945 سنة هزيمة النازيين الكبرى، وانتصار الحلفاء جميعاً، سنة الألم والعذاب والوجع والخطر !!