كمال ذبيان- القضاة بين مرجعيّتين: «مجلس القضاء الاعلى» و«نادي القضاة»

  • شارك هذا الخبر
Friday, May 10, 2019

ليست المرة الاولى التي ينتفض فيها قضاة لبنان ضد السلطة السياسية، التي لا تريدهم سلطة مستقلة وهذا حق دستوري لهم، وتم التأكيد عليه في اتفاق الطائف، والذي اعتبر السلطات في لبنان هي تشريعية وتنفيذية وقضائىة، وهم بتحركهم للحفاظ على مكتسباتهم، يذكرون «بثورة القضاة» عام 1980.

ومن مبدأ استقلالية السلطة القضائىة، وضرورة تكريسها، نشأة «نادي قضاة لبنان» الذي هو اشبه «بنقابة للقضاء» والذي اخذ على عاتقه حمل لواء المطالبة بحقوق القضاء ورجاله، بعد ان شعروا تلكؤا وفي بعض الاحيان مسايرة او مساومة مع السلطة السياسية الحاكمة، من قبل مجلس القضاء الاعلى وفق ما يكشف مصدر في النادي الذي تأسس قبل نحو اكثر من عامين، وضم اليه مئات القضاة، الذين اعتبروه مرجعيتهم، مما ازعج «مجلس القضاء الاعلى» المكون من عشرة اعضاء ويتشكل من الرئيس الاول لمحكمة التمييز رئىسا ومن النائب العام لدى محكمة التمييز نائبا للرئىس ورئيس هيئة التفتيش القضائي عضوا، على ان يتم انتخاب قاضيين من رؤساء الغرف في محكمة التمييز، ويجري تعيين خمسة قضاة واحد من رؤساء الغرف في محكمة التمييز، وقاضيان من رؤساء الغرف في محاكم الاستئناف، وقاض من رؤساء غرف محاكم الدرجة الاولى، وقاض عدلي من بين رؤساء المحاكم او من رؤساء الوحدات في وزارة العدل وهو يعتبر المرجع الاول للقضاة.

ومع طرح الحكومة لمشروع قانون الموازنة، وجد القضاة انفسهم، انهم مستهدفون كما غيرهم في قطاعات اخرى في الدولة فتحركوا مثلهم مثل موظفي مصرف لبنان، والمصالح المستقلة، والمتقاعدين من العسكريين الى المعلمين واساتذة الجامعة اللبنانية والادارة العامة.

فاعتكاف القضاة عن اصدار الاحكام، شل المحاكم، ولم ينفع اللقاء الذي جمعهم مع رئىس مجلس القضاء الاعلى جان فهد بوقفه والذي نقل اليهم تطمينات من المسؤولين لا سيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بأنه لن يمس بمكتساباتهم، فهم يعتبرون انشاء صندوق تعاضد القضاة، احد ابرز الانجازات التي تحققت بنضالات القضاة منذ عقود، والذي هو مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي، ويخضع لمراقبة ديوان المحاسبة المؤخرة طبقا لنظام خاص، يضعه مجلس ادارة الصندوق، وعملا بالمرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر بتاريخ 29 تموز 1983 وتعديلاته.

فهذا الصندوق يعمل القضاة للحفاظ على موارده المالية، التي تحاول الحكومة من خلال مشروع الموازنة تجفيفها، مما سينعكس على التقديمات التي يستفيدون منها، حيث يقترح مشروع قانون الموازنة في الفصل الثالث منه والذي يتناول التعديلات الضريبية وما ورد في المادة 15 منه، التي تشير الى الغاء المادتين 401 و402 من القانون 243/2012 وتعديلاته (قانون السير الجديد) حيث يستعاد عن نص المادة 401 بنص ورد فيه الآتي:

«بصورة استثنائىة وخلافا لايّ نص اخر، تعتبر حصيلة الغرامات الناتجة عن مخالفات السير المستوفاة بموجب طوابع مالية او من الاحكام القضائىة حقا عائدا بكامله وبتمامه لمصلحة الخزينة العامة».

وحرّك هذا النص «نادي القضاة» لانه يقتطع 30% من غرامات السير المحصلة من الاحكام القضائية من حساب صندوق تعاضد القضاة، والتي تحسب بمليارات الليرات سنويا، اضافة الى خفض مساهمات الدولة 10% في الصندوق، الذي من دونه، فإن القضاة سيتأثرون اقتصاديا واجتماعيا، وهو الذي يشكل لهم راحة مادية ونفسية وفق المصدر في النادي الذي يشير الى ان لا تراجع عن الحقوق المكتسبة، وان التحرك مرتبط، بما ستنتهي اليه الحكومة في ختام مناقشتها للموازنة، فإذا ما تضمنت تقليص واردات الصندوق، فإن الاتجاه هو نحو التصعيد، وربما الاستقالة الجماعية، حيث التقى نحو نصف قضاة لبنان البالغ عددهم نحو 525، وتم التشديد على اقرار قانون استقلال السلطة القضائية الذي يكرّس الاستقلال الاداري لناحية اجراء التعيينات الادارية والمناقلات، ورفض الاعتداء المتمادي والمتعاقب من سلطة على سلطة اخرى، ولا سيما الذي يتبدى من مشاريع القوانين التي ترمي الى استتباع القضاة للسلطة السياسية من اجل غل يد السلطة القضائىة عن المكافحة الحقيقية للفساد، كما في رفض ما يتم تداوله في مسودة مشروع قانون قانون الموازنة والموازنات الملحقة لعام 2019.

وفي اطار تحرك «نادي القضاة»، فان حراكاً حصل قبل نحو 40 عاماً، قاده القاضي السابق منيف حمدان مع زملاء قضاة له، طالبوا باستقلالية القضاء، كما في منع القاضي من ان يتحول جائعاً، وقد كانت بوادر اطلاق صرخة القضاة في 5 كانون الثاني من عام 1980، والتي تحولت الى اضراب في قصور العدل في 14 نيسان 1980، في عهد الرئيس الياس سركيس، وكانت المرة الاولى التي يقوم قضاة بانتفاضة، تحولت الى ثورة غضب، وهي اسست لاصلاح القضاء، حيث يقول الدكتور حمدان الذي استقال من القضاء وانتقل الى المحاماة، قبل عقود، بأن ما يقوم به «نادي القضاة» محق في مطالبه، لانه عندما يتم تجفيف صندوق التعاضد، فمعنى ذلك ان الدولة تدفع بالقضاة نحو الفقر والجوع، كما يقول حمدان لـ«الديار»، اذ يخشى من ان يؤدي الاقتطاع المالي من الصندوق الذي يأتي من غرامات السير وغيرها، الى ان يصبح القاضي في وضع اقتصادي سيئ، لانه سيؤثر على تعليم اولاده، كما على استشفائه وطبابته، اضافة الى تراجع في موقعه الاجتماعي، وهذا لا يعزز استقلالية القضاء الذي هو مطلب مزمن.

فالقاضي المكتفي مادياً، هو المرتاح نفسياً، ويمكنه ان يصدر الاحكام القضائية بدقة قانونية وشفافية يقول حمدان، كما انه يحصنه ضد الرشوة ويزيد من الانتاجية، دون ان يفكر بهمومه المعيشية، وان ظهر ان قاضياً او اكثر ارتشوا او كانوا كسالى، ويبيتون عند الزعماء السياسيين، فهؤلاء لهم التفتيش القضائي، يقول حمدان الذي يرى بهؤلاء انهم اخطر من «داعش» في القضاء لانهم يمعنون فيه فساداً ويجب طردهم منه.

ويذكر حمدان باستقالة 19 قاضياً في الثمانينات من القرن الماضي، والمرحلة اللاحقة، بسبب الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي وصل اليه الجسم القضائي، ويكشف عن ان التفتيش القضائي برئاسة القاضي عبد الباسط غندور وحذره من تحركه لا سيما في الاعلام، وايد مطالبه.

اما في الحالة القانونية لانشاء «نادي القضاة»، فان مرجعاً قانونياً، يعتبر ان «مجلس القضاء الاعلى» هو المرجعية القانونية، ويحظر القانون انشاء تجمع او ناد او جمعية، لمن يعمل في مؤسسات الدولة، وهو ما بدأ يخلق اشكالية داخل القضاء.