فريد البستاني - نقاشات الموازنة علامة عافية ...والنهاية وفاق

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, May 8, 2019



يضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم عندما يسمعون عن الخلافات الدائرة حول سياسات أو بنود الموازنة، ويضع بعضهم أيديهم على قلوبهم من منظار الفئة التي ينتمون إليها مع سماع مقترحات بعض الأطراف المعنية برسم خطوط الموازنة، وإمكانية أن تتضمن هذه البنود ما يطال مداخيل هذه الفئة أو ارباح تلك الفئة أو مكتسبات فئة ثالثة .
مع تقدم النقاشات الحكومية والسياسية والإقتصادية والمالية حول سياسات وبنود الموازنة، وتحقيق الإجماع على بند الكهرباء التي تستهلك قرابة 11% من ارقام الموازنة، والخطة المقرة تستهدف إطفاء هذه النسبة من مساهمة الدولة، لتصير صفرا، من الطبيعي أن تتجه الإستقطابات نحو بنود الموازنة الأخرى لتحقيق التخفيض المنشود، والبنود معلومة، فموازنة المتفرقات وهي الأموال التشغيلية لأجهزة الدولة، والتي تشكل 9% طبيعي أن يدور النقاش حول مكان الهدر والفوضى فيها، وأن تكون ميدانا للتخفيض الرئيسي في الموازنة، حيث العلاقات العامة والإيجارات والسيارات والمحروقات والقرطاسية والسفر وسواها، وطبيعي أن تظهر بعض السخونة حيث تدافع بعض الإدارات عن حاجات تراها ضرورية في مقابل سعي مواز للتخفيض بإعتبار أغلب هذه المصاريف غير ضروري وترف إداري، كما من الطبيعي ألا يطال الإنفاق الاستثماري الضئيل الذي يبلغ 10% من الموازنة اي تخفيض، بل ترشيد وترشيق، ترشيد يسعى لتوجيه الإنفاق الاستثماري نحو الأولويات وترشيق يهدف لضمان الابتعاد عن الهدر والفساد في طريق الإنفاق وطريقته، فلا يبقى من الموازنة إلا بندي الرواتب والتعويضات من جهة، وخدمة الدين من جهة مقابلة، وكل منهما يعادل ثلث الموازنة ونيف تقريبا، اي ما يعادل 35% .
الطبيعي أن ينطلق النقاش هنا بسخونة وربما بما يبدو تصادما بين تيارين يمكن تسميتهما تجاوزا، تيار الرواتب وتيار خدمة الدين، أي تيار سياسي نيابي وحكومي لا يرى المشكلة في الرواتب والتعويضات، ويضع ثقله لحمايتها من اي مساس بها، في مقابل تبنيه للدعوة لتخفيض خدمة الدين سواء لقناعته أنها أعلى من الطبيعي، أو لأنه يعتبر قطاع المصارف كمستفيد رئيسي منها يحقق الأرباح بينما الموازنة تنزف ومعها الاقتصاد والطبقات الوسطى والضعيفة، أو لأنه لا يريد المساس بكتلة الرواتب والتعويضات واعتبار المساس بها مصدرا لأزمة إجتماعية تهدد بحراك الشارع، وهذا التيار يحتاج للتدقيق بأمرين، الأول أن ليس كل ما تحتويه كتلة الرواتب والتعويضات هو خاص بذوي الدخل المحدود، ولا كل الأرقام التي ترد تحت هذا البند بذات القدسية التي يفترضون، وبالمقابل ليس الاقتصاد معزولا عن المصارف وإستقرارها التشريعي، ولا عن المعايير الدولية للتعامل مع أنظمة الفوائد على الدين، والنتائج المترتبة على أي إستسهال لخطوات خارج القواعد المقبول بها إقتصاديا وعالميا ستكون كارثية على المالية العامة والإقتصاد ولبنان .
أما تيار خدمة الدين، أي التيار السياسي والنيابي والحكومي، الذي يتعامل بنوع من التقديس مع اللعبة المصرفية والسياسات النقدية وموجباتها ويرفض أي نقاش فيها، تحت شعار آليات السوق، ويصب اهتمامه على كتلة الرواتب والتعويضات، ويظن التعامل معها أسهل من التعامل مع فوائد الدين، وعواقبها أقل خطورة، فهو لا ينتبه ان الثورات التي أخذت دولا قريبة وبعيدة نحو الفوضى بدأت بإجراءات مست مداخيل ذوي الدخل المحدود، وفرضت أكلافا ضريبة إضافية عليهم، وهذا التيار مدعو إلى التبصر بكون خطر الإنهيار الذي يجري الحديث عنه من الجميع لن يعفي أحدا من تبعاته، ولن يحيد أحدا من نتائجه إذا وقع، وأن التشارك في التضحيات اللازمة للوصول إلى موازنة مقبولة بالمعايير الداخلية والخارجية، هو طريق يمكن بلوغه دون المساس بالمحظورات الاقتصادية والنقدية والمصرفية الوطنية والدولية .
الحوار الساخن هو حوارفي نهاية المطاف، والتقدم فيه يبلور الحلول التوافقية، التي تميز في كتلة الرواتب والتعويضات بين ما يمكن الإقتراب منه وما لا يجوز الإقتراب منه، سواء بتحييد فئات الدخل المنخفض أو بمعاملة خاصة تحفظ المعنويات والأدوار الوطنية للمؤسسات العسكرية والأمنية، كما تميز في التعامل مع القطاع المصرفي بين التوافق والإلزام وشروط وميدان كل منهما، فكما يجوز في الضرائب الإلزام شرط عدم الوقوع في تجفيف الإقتصاد، سواء على المداخيل الدنيا أو العليا، لا يجوز في الفوائد إلا التراضي أو ترك لعبة السوق تقرر .
نثق بأن الجميع في القطاعين العام والخاص يقدر حجم المسؤولية، وانهم بقدرها أيضا، ولذلك نثق بأن لا داع للقلق، ولكننا نثق بأن المضي قدما في الحوار مهما بدت سخونته هو الطريق الحتمي لبلوغ الموازنة التي تضعنا على المسار الصحيح.