خاص- في المية ومية... اللبنانيون أيضاً يعانون

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, April 17, 2019

خاص- الكلمة أون لاين

ضحى العريضي

لا تبدو مقاربة ملف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالأمر السهل، فهؤلاء لم يتّخذوا منها أماكن سكن عن طيب خاطر أو بإرادتهم، بل هم خضعوا ويخضعون لأمر واقع لم يترك لهم أي خيار، وبالتالي هم في الأساس لم يكونوا في موقع الجلاد بل كانوا ضحية من احتلّ بلادهم. لكن في المقلب الآخر، من المعلوم أن المخيمات أنشئت بأغلبها، وبينها "المية ومية"، على أملاك خاصة وليس على مشاعات، فهل ان حقّ مالكي الأراضي محفوظ وهل يتقاضون على الأقل بدلا ماديا لقاء استخدام أراضيهم؟

في بلدة "المية ومية"، يعاني عدد كبير من السكان من "مصادرة" أراضيهم وبعض المنازل والمباني، بـ"قوّة السلاح"، ولا يخفون استياءهم من عدم قدرتهم على الاقتراب من عقاراتهم في كثير من الحالات. فبين أراض مُستأجرة لا تدفع بدلاتها، وأخرى مشغولة بفعل الأمر الواقع، يصبح أهالي البلدة أمام إشكاليات متعددة، من صعوبة التوريث ونقل الملكية، إلى دفع غرامات وتسويات عن مخالفات لم يرتكبوها!


د. جان موسى، وهو من أهالي "المية ومية" وأحد مالكي الأراضي التي ينتشر عليها اللاجئون، يشرح لموقعنا معاناة سكان البلدة، ففضلا عن أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأنروا" لا تدفع بدلات إيجار الأراضي، فإن "الخشية كل الخشية هي من ضياع حقوق المالكين بفعل الزمن"، كما يقول، اذ ان توريث قطعة أرض على سبيل المثال يتطلب دفع رسوم قد تزيد على سعر العقار نفسه، وهنا يشدد على ضرورة تحرّك السلطة السياسية للتخفيف عن كاهل أهل البلدة، اقله من خلال اعفاءات على نقل الملكية.

ويفصّل موسى طبيعة استملاك الأراضي من قبل اللاجئين، فيوضح أن هناك "المخيم التقليدي" الذي نشأ بعد نكبة فلسطين، وهناك الأراضي التي ضُمّت إلى المخيم من سنوات قليلة، حيث ان "فصائل تمركزت في بيوت وأراض جديدة منذ حوالي الثلاث سنوات" ، كما يؤكد.

ولا يقتصر الأمر على داخل البلدة، بحسب موسى، فهناك منطقة ثانية تابعة للمية ومية سكن فيها الفلسطينيون منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما حصل "التهجير" خلال "الحرب الأهلية"، وما زالوا فيها كأمر واقع، وكشف أن أهالي البلدة حاولوا التوسط مع أكثر من جهة سياسية من أجل إنهاء هذا الوضع، لا سيما مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائبة بهية الحريري، من دون الوصول إلى نتيجة. وهنا يتساءل موسى ما إذا كانت "القصة سياسية او مادية". وبغضّ النظر عن الجواب، لا تبدو ثقة ابن "المية ومية" كبيرة بوعود السياسيين في هذا المجال، بل هو يرى ان تحركاتهم باتجاه هذه المسألة لا تتعدى "البروباغندا" في معظم الحالات.


أما رئيس بلدية "المية ومية" رفعت بو سابا، وهو أيضاً من أصحاب الأراضي التي يقطن عليها اللاجئون الفلسطينيون، فقد أضاء على مسألة الدعاوى التي رفعت من قبل المالكين سواء أمام القضاء اللبناني أو أمام القضاء الدولي من أجل تحصيل حقوقهم، كاشفا أن عشرات الدعاوى القضائية رُبحت لكنّ معظم الأحكام لم تُنفّذ. ويحمّل رئيس البلدية في هذا السياق، الدولة، المسؤولية المباشرة عن الوضع الحالي، كون اللاجئين وضعوا في هذه العقارات بقرار أو على الأقل بموافقة من السلطة السياسية، فيما "الأنروا" لم تدفع ليرة واحدة منذ إشغال عقاراتهم.

وبعيدا من هذه الإشكالية، يشدد بو سابا على أن أهل البلدة تحت كنف الدولة، كما أنهم ينسقون كبلدية مع السلطات الرسمية والجيش اللبناني من أجل ضمان الأمن في "المية ومية" سيما أن المخيم الواقع على تخوم البلدة لطالما شهد جولات عنف داخلية، وهي جولات اثرت بشكل كبير على المحيط. فحين تحصل اشتباكات بين فصائل داخل المخيم يحصل "تهجير" من البلدة، قد يكون داخليا أي إلى أحياء بعيدة عن القصف المتبادل، أو قد يدفع الأهالي إلى ترك بلدة "المية ومية" إذا ما تصاعدت حدّة الاشتباكات. وفي هذا الإطار، يلفت إلى أن البلدية طلبت من الجيش "إغلاق" ثغرة أمنية وحيدة في شمالي البلدة، مشددا على أن "البلوكات الإسمنتية" وضعت في هذه النقطة فقط دون سواها.

وبغضّ النظر عن الهاجس الأمني، يحرص رئيس البلدية على التأكيد ان هناك وحدة حال بين أهل البلدة وسكان المخيم، قائلا "نحن وإياهم نقتسم رغيف الخبر، وهناك بين 100 و150 شابا من المخيّم يعملون داخل البلدة"، ليكمل "قلبنا يوجعنا عليهم، ونحن لدينا مشكلة فقط عندما يتقاتلون فيما بينهم"، مشيرا إلى أن البلدية على تواصل دائم مع كافة الفصائل الموجودة داخل "مخيم المية ومية".


ملفّ "المية ومية" وغيره من المخيمات يحظى باهتمام عدد من النواب بينهم عضو "تكتل لبنان القوي" إدغار طرابلسي الذي لطالما حذّر من تكريس تمدد مخيم "المية ومية"، مذكّراً بأن هناك لبنانيين فقدوا منازلهم تباعاً منذ العام 1991 حتى 2015. ويستعرض في حديث لموقعنا السياق التاريخي للأزمة، لافتا إلى "انه بعد تهجير الفلسطينيين من بلادهم قبل 71 سنة استقبلهم أهالي البلدة وغيرها باعتبار ان المسألة مؤقتة، لكن حصل ما حصل واستمر الوضع القائم حتى يومنا هذا"، مع العلم أن التعايش بين أهالي البلدة واللاجئين شهد مرحلة مظلمة ابان الحرب الأهلية من صدام مسلح إلى تهجير أهل "المية ومية" وغيرها من قرى شرقي صيدا.


بعد انتهاء الحرب، تحديدا بين 1991 و1992، بدأ الأهالي بالعودة إلى البلدة، يشرح طرابلسي، مذكّرا بالمعركة التي حصلت حينها حيث تقدم الجيش اللبناني الى حدود المخيم التاريخي، وقد استرد السكان القرية والعقارات التي تقدم إليها، لكن لسبب مجهول انسحب الجيش، يتابع نائب بيروت، وبالتالي فإن الفلسطينيين عادوا وسيطروا على هذه العقارات والمساحات الفارغة التي تصل مساحتها إلى 15 الف كلم وبنوا تخشيبات وبيوتا، وهي العقارات التي فقدها الأهالي تباعا منذ 1992 حتى 2015.


وهنا يكشف عضو لجنة المهجرين النيابية عن إشكالية بشأن الجهة المخولة متابعة هذا الموضوع، فوزارة المهجرين استلمت الملف ودفعت اخلاءات في المنطقة الواقعة من شمال الى غرب المخيم اي الى سرايا صيدا، والبعض استردوا بيوتهم، اما من شمال الى شرق المخيم وصولا الى درب السيم فقد توقف عمل صندوق المهجرين، كون صلاحياته لا تسمح له بـ"دفع التعويضات أو الإخلاءات" جنوب نهر الأولي، فهذه المنطقة تدخل في نطاق صلاحية "مجلس الجنوب"، وهنا تبرز عقدة جديدة، إذ ان قوانين هذا المجلس تفرض عليه التعامل مع اللبنانيين فقط، وفي قضية "المية ومية" هناك الجانب الفلسطيني أيضاً.


وربطا بذلك، يشدد طرابلسي على ضرورة حل هذا الملف العالق بغض النظر عن الجهة التي تتولى المهمة، كاشفا عن إمكانية "إجازة" رئاسة مجلس الوزراء لوزارة المهجرين من أجل السير بحل هذا الملف العالق.


يذكر أن طرابلسي طرح جملة من الأسئلة في هذا الشأن خلال جلسة الأسئلة والأجوبة التي عقدت قبل أيام في المجلس النيابي، فهو سأل عن عدم انهاء ملف التهجير في منطقة المية ومية، كما طرح سؤالا حول عدم وصول الجيش الى حدود المخيم، وسأل كذلك عن "الامتناع عن تنفيذ احكام قضائية صادرة في موضوع اخلاء عقارات وازالة تعديات واقعة في منطقة المية ومية العقارية".

كما تقدم باقتراح قانون معجل مكرر مع النائبين سليم الخوري وإدغار المعلوف، يطلب إعفاء أصحاب العقارات الواقعة ضمن الشريط الأمني للمخيمات من الضرائب والرسوم والغرامات وموجب تسوية المخالفات، ولكن هذا الاقتراح الذي كان على جدول أعمال الجلسة التشريعية الماضية رحّل للجلسة المقبلة.