فيوليت غزال البلعة - لم الكلام على المصارف؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, April 15, 2019

تبدو مصارف لبنان في حرب دائمة مع أخبار تروّجها وسائل التواصل الإجتماعي، لتحمّلها مسؤولية الخطر الذي يواجه البلاد، وتصوّرها كـ"جلاد" يتمعّن في "دفع الشعب والبلاد نحو الإفلاس"، لأنها تحتكر السيولة وترفع الفوائد وتوقف قروض الإسكان.

هل هذه الإتهامات في محلها؟
في آخر الأخبار المتداولة والمجهّل مصدرها، أن "المصارف اللبنانية تسعى جاهدة لإعلان إفلاس لبنان لتضمن حقها المقدر بـ85% من الدين العام... فالشعب اللبناني يموّل الدولة. وبالتالي، تسعى المصارف الى إفلاس الشعب عن طريق حجب السيولة ووقف القروض ورفع الفوائد إلى معدلات قاتلة. فمتى انكسر الشعب، تنكسر الدولة معه وتعلن إفلاسها، ويصبح ممكنا على المصارف وضع يدها على ممتلكات الدولة".

لا تقتصر الحملات على المصارف فحسب، بل تطول الشركاء من السياسيين الذين تغلغلوا إلى مجالس الإدارة. وأيضا، للإعلام حصة. فالإتهامات تشير إلى "تواطئ المسؤولين وصمت الإعلام المتخاذل والمريب"، معتبرة أن الإعلام "الذي يصرع البلد بمحاربة الفساد ويملأ الشاشات صريخا لفضح فساد رخص البناء، لا يرف له جفن عندما نقول له إن القطاع المصرفي يربح كل يوم 10 ملايين دولار من دماء الشعب. هذا القطاع بات يساوي 4 أضعاف الإقتصاد اللبناني، أي أنه إبتلع الشعب والدولة 4 مرات خلال 25 سنة، وهو على طريق إبتلاعهم للمرة الخامسة إذا لم نوقفه ونمنع الإفلاس". وتقول إن الإعلام يلهي الشعب بمؤتمر "سيدر" على أساس أنه الخلاص الوحيد بتأمين 10 مليارات دولار في سنتين، "ونحن لدينا قطاع مصرفي يساوي 240 مليار دولار مع جهوزية تمويل هائلة، إذا تُرك القرار لإنقاذ حقيقي وسريع".

كالعادة، يبقى مصدر تلك الأخبار مجهولا. وهي على غرار الشائعات، تستهدف بثّ معلومات خاطئة وإن كانت تستند أحيانا إلى أساس. لكن، هل يمكن القول إن المصارف إستجلبت على نفسها تلك الحملات؟

في بلد يعاني إقتصاده أزمة بنيوية تراكمت مفاعيلها ومسبباتها، وتفشّت أزمات معيشية وحياتية، لا بدّ أن تتفتح العيون على أصحاب الثروات والمصالح الكبرى. فكيف إن بلغت الحاجة بالدولة إلى المسّ بنسبة 25% من رواتب وأجور موظفي القطاع العام؟ هذا ما قاله صراحة وزير الخارجية جبران باسيل في معرض كشفه لـ"معوقات" تحول دون إنجاز مشروع موازنة 2019، في تأكيد يمهّد لـ"قرارات صعبة" ستقدم عليها الحكومة كونها من إصلاحات "سيدر" لخفض عجز الموازنة 1% بعدما تخطى 6 مليارات دولار لعام 2018. وأكثر، يقول باسيل "لهذا، الاكثرية صامتة، ولا يريدون أن يجعلوا من أنفسهم أبطالا على عكس موضوع الكهرباء. هناك مَن يجب أن ينبّه الناس اليوم إلى أن التخفيض المؤقت إذا لم يحصل فلن يبقى معاش لأحد، ويجب على الموظفين أن يقبلوا بتخفيض معاشاتهم".

وبما أن المصارف تنضوي تحت خانة "الفئات الأكثر ميسورة"، كان من الطبيعي أن تتوجه السهام إليها. فهي تنأى بنفسها عما يجري في البلاد وخصوصا على الساحة السياسية، في سياسة تنتهجها منذ عقود. إذ تختار مواقفها في الشكل والمضمون، حرصا منها على ما يمكن أن يخدش الثقة بها. وتدور التساؤلات الكثيرة حول الرواتب المرتفعة في هيكلياتها الإدارية والمكافآت السنوية، وإفتعال أزمة السيولة وحجبها عن القطاعات بما شلّ عجلة الإقتصاد، ورفع الفوائد إلى نحو 15% محققة أرباحا خيالية، وإحتكار الأسواق المالية والنقدية عبر جمعية المصارف، ووقف قروض الإسكان وتوزيع الرزمة الأخيرة التي أثارت الأزمة على المقرّبين والأصدقاء، وغيرها الكثير مما ورد في الأخبار المتداولة.

الإقتصاد العالمي بخطر وأي تباطؤ في الإقتصادات الكبرى وتأثيرها على إقتصادات أخرى قد يؤدي إلى تدهور فرص النمو وإضفاء حال من الغموض على الإقتصاد العالمي ككل. هذا ما خلصت إليه إجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين التي إنعقدت الأسبوع الماضي في واشنطن. فتوقعات النمو العالمي "تميل إلى الانخفاض" بسبب عوامل عدة، مثل التوترات التجارية والغموض الذي يكتنف السياسات والتدهور المفاجئ في الأوضاع المالية.

ماذا تعني هذه المواقف للبنان؟
في ظل نمو لا يتجاوز الـ1%، يبقى الإقتصاد في حال إنكماش مرشحة لمزيد من التباطؤ. لذا، فإن العمل لتصويب الأوضاع من الداخل يبقى أفضل من الإعتماد على خارج يعاني بدوره. وهذا يعني التركيز على إصلاحات "سيدر" لا على قروضه، إضافة إلى "إجراءات غير شعبية"، والأهم عودة المصارف لتشكل الرافعة الحقيقية للنهوض لئلا تبقى تسأل "لم الكلام على المصارف؟". أيضا، ثمة قرارات مطلوب الإقدام عليها بشجاعة، وأهمها مكافحة الفساد ووقف الصفقات والسمسرات ومحاسبة الفاسدين وإسترداد الأموال المنهوبة، لأن هذا يساعد في إستعادة ثقة اللبنانيين المفقودة بفعل ممارسات وإنحرافات مزمنة... فهل مَن يجرؤ؟