العالم يقطع طريق ترامب إلى الجولان

  • شارك هذا الخبر
Friday, March 22, 2019

توالت ردود الأفعال الدولية والعربية المنددة بتوجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، وسط خشية أن يقود هذا القرار إلى انزلاق خطير يأخذ المنطقة إلى متاهات جديدة هي بغنى عنها.

وصرح الرئيس الأميركي مساء الخميس في تغريدة له على تويتر “بعد 52 عاما، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل الكاملة على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي!”.

وجاءت التغريدة بالتزامن مع وجود وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في إسرائيل، قبل أن يتوجه الأخير إلى لبنان، فيما بدا رغبة من ترامب لتقديم هدية انتخابية لبنيامين نتنياهو الذي سبق ووصفه بأنه رئيس حكومة “رائع وقوي”.

ويرى محللون أنه مثل العادة وظف ترامب نظرية الصدمة، من خلال إعلان أحقية إسرائيل في الجولان “تويتريا”، قبل أن يسلك الأمر بعدا رسميا، والهدف من ذلك هو استيعاب الرأي العام الدولي للقرار، الذي يتوقع أن يتم الأسبوع المقبل خلال لقاء ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يزور الولايات المتحدة لحضور المؤتمر السنوي للجنة العامة الإسرائيلية الأميركية (ايباك).

وفي إعادة لذات التصريحات التي أدلى بها حينما أعلن في ديسمبر 2017 القدس عاصمة لإسرائيل، قال ترامب الجمعة في معرض تبريراته للقرار بشأن الجولان “فكرت في القيام بذلك فترة طويلة، لقد كان قرارا صعبا لجميع رؤساء الولايات المتحدة، ولم يتخذه أي منهم”.

وتوجه خطوة ترامب الجديدة ضربة قوية لعهود طويلة من السياسة الأميركية التي التزمت بعدم اتخاذ أي قرار يتنافى والقرارات الأممية في ما يتعلق بالجولان والقضية الفلسطينية.

ويستبعد محللون أن يتراجع الرئيس الأميركي عن توجهه، رغم الضغوط الدولية والعربية المنتقدة والمستنكرة لهذه الخطوة التي تعد انتهاكا صارخا للقوانين والمواثيق الدولية.

ورد على ترامب تبني مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، مشروع قرار يعارض احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان ويطالبها بالالتزام بجميع قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 479.

وأكد الاتحاد الأوروبي أنه لا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وأوضح رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك “موقف الاتحاد الأوروبي لم يتغير… الاتحاد الأوروبي لا يعترف، كما يتماشى مع القانون الدولي، بسيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها منذ يونيو 1967 بما فيها هضبة الجولان ولا يعتبرها جزءا من السيادة الإسرائيلية”.

وكانت كل من ألمانيا وفرنسا قد أعلنتا في وقت سابق الجمعة أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان يتعارض مع القانون الدولي وبخاصة الالتزام الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية بألا تعترف الدول بوضع غير مشروع.

وحذرت موسكو الحليفة الوثيقة لدمشق من أنه “من الممكن أن تؤدي مثل هذه الدعوات إلى استمرار زعزعة الوضع المتوتر في الشرق الأوسط بشكل جدي. وفي أي حال من الأحوال لا تتفق هذه الفكرة بصورة أو بأخرى مع أهداف التسوية في الشرق الأوسط، بل بالعكس”، معربة عن أملها في ألا تتخذ الدعوات بعدا فعليا.

وتعتبر الجولان منطقة مرتفعات مهمة استراتيجيا في جنوب سوريا. وكانت إسرائيل احتلتها على نطاق واسع في عام 1967 وضمتها إليها عام 1981، وهو ما لم يتم الاعتراف به دوليا. ووفقا للقانون الدولي، فإن هضبة الجولان لا تزال أرضا سورية تحتلها إسرائيل.

وطالبت دمشق في رسالة إلى الأمم المتحدة الجمعة بـ”إصدار موقف رسمي لا لبس فيه يؤكد من خلاله على الموقف الراسخ للمنظمة الدولية تجاه قضية الاحتلال الإسرائيلي للجولان العربي السوري”.

وفي وقت سابق قالت وزارة الخارجية السورية إن تصريحات الرئيس الأميركي “تؤكد مجددا انحياز الولايات المتحدة الأعمى” لإسرائيل لكنها “لن تغير أبدا من حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربيا سوريا”.

وأوضحت الخارجية “الشعب السوري أكثر عزيمة وتصميما وإصرارا على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني السوري بكل الوسائل المتاحة”، مضيفة أن تصريح ترامب “لا مسؤول” ويعكس “ازدراء للشرعية الدولية”.

ويرى البعض أن إسرائيل ليس المستفيد الوحيد من قرار ترامب بل وحتى النظام السوري الذي لم يحرك ساكنا على مدى العقود الماضية للضغط لاسترجاع هذه المنطقة السورية، وهو اليوم يجد في تصريحات ترامب بوابة لتوجيه دفة الأزمة السورية والتسويق لنفسه على أنه يجسد مشروع المقاومة العربي.

وأعلنت جامعة الدول العربية أن الجولان أرضٌ سورية محتلة بواقع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباعتراف المجتمع الدولي.

وشدد الأمين العام أحمد أبوالغيط في بيان صحافي على أن الجامعة العربية تقف بالكامل وراء الحق السوري في أرضه المحتلة.. وأي اعتراف من جانب الولايات المتحدة بسيادة إسرائيلية على الجولان سيُمثل ردة خطيرة في الموقف الأميركي من النزاع العربي- الإسرائيلي إجمالا خاصة بعد الانتكاسات الهائلة التي أقدمت عليها الإدارة الأميركية في حق القضية الفلسطينية.

واعرب مجلس التعاون الخليجي بدوره عن أسفه لتصريحات ترامب. ونقل بيان صادر عن الأمين العام لمجلس التعاون عبداللطيف بن راشد الزياني أن “تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي وردت في حسابه على تويتر لن تغير من الحقيقة الثابتة التي يتمسك بها المجتمع الدولي والأمم المتحدة وهي أن مرتفعات الجولان العربية أراض سورية احتلتها إسرائيل بالقوة العسكرية”.

واعتبر الزياني أن تصريحات ترامب “تقوض فرص تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط، والذي لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما في ذلك الجولان”.

ومنذ وصوله إلى سدة الرئاسة أبدى المليونير الجمهوري انحيازا واضحا لإسرائيل على حساب دول المنطقة وشعوبها، ولعل أبرز قراراته في هذا الصدد هو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وشن ضغوط قوية على السلطة الفلسطينية عبر قطع الدعم المالي لها، وعلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لفرض ما يعرف بصفقة القرن. ويتوقع أن الصفقة أو خطة السلام التي تستعد إدارة ترامب لطرحها بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في أبريل ستنسف باقي مطالب الفلسطينيين في دولة مستقلة على أراضي 1967.

وأبدى الكثير حتى من داخل الولايات المتحدة تذمرهم من انسياق ترامب خلف رغبات حكومة إسرائيل اليمينية. وغرد روبرت مالي المساعد الخاص للرئيس السابق باراك أوباما “قرار ترامب هو نموذج مصغر للكثير من الأمور الخاطئة في سياسته الخاصة بالشرق الأوسط”. وأردف “خطوة أحادية الجانب لا مبرر لها إلا تحقيق مكسب سياسي قصير الأجل (مساعدة بيبي وآفاقه الانتخابية)”.

واعتبر روبرت دانين أنه إضافة إلى نتنياهو فإن الرئيس السوري بشار الأسد مستفيد أيضا من قرار ترامب خاصة قبيل القمة العربية المقرر عقدها الأسبوع المقبل في تونس.

وكتب دانين في تغريدة على حسابه في تويتر “المستفيد الآخر من خطوة الجولان هو الأسد، الذي سيستغلها للفت الانتباه بعيدا عن كراهيته وتصوير نفسه على أنه تجسيد للمقاومة العربية للاحتلال”.

وتساءل دانين باستهزاء “هل اختار ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان لضمان حصول بومبيو على ترحاب حار في بيروت (زارها الجمعة)، أو
لنقل الموضوع إلى قمة جدول أعمال القمة العربية عندما تجتمع بعد أسبوع، أو كليهما؟”.

وعادت الجولان التي سادها الهدوء لعقود، لتكون نقطة ساخنة في التوترات الإقليمية خلال الحرب السورية. وفي مايو الماضي اتهمت إسرائيل الحرس الثوري الإيراني بإطلاق صواريخ على أراضيها من الجانب السوري من الحدود.

وشنت إسرائيل عددا كبيرا من الضربات الجوية على ما وصفتها بأهداف تدعمها إيران في سوريا وطالبت روسيا بإبقاء القوات المتحالفة مع طهران بعيدا عن الحدود.

وتتخذ إسرائيل من الورقة الأمنية ذريعة لإبقاء سيطرتها على الجولان، وتسعى لاستغلال استمرار الأزمة لتثبيت الأمر الواقع في ظل الدعم اللامحدود من إدارة ترامب.


العرب اللندنية