اشتباك بروتوكولي مع بومبيو: هل يمهد لتصعيد؟

  • شارك هذا الخبر
Friday, March 22, 2019

نقاط عديدة يمكن تسجيلها، على هامش زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى لبنان. فقد وصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي، ولم يكن باستقباله نظيره اللبناني. يستند الوزير جبران باسيل على نقطة بروتوكولية، تسمح له بعدم استقبال الضيف الأميركي، طالما أنه سيلتقيه في وزارة الخارجية. لكن أيضاً في صورة عدم حضور باسيل، نجد فيها رسالة سياسية واضحة. في المشهد أيضاً، كان لافتاً مرور موكب الوزير الأميركي على طريق المطار تحت لافتة تحمل إسم جادة "الإمام الخميني". وفي إحدى اللقطات، فإن الموكب الأميركي عبر طريقاً مليئة بصور مسؤولين في حزب الله، ورفعت على جانبيها أعلام الحزب.

الانتظار وقوفاً
ليست المرّة الأولى التي يلجأ فيها رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى استخدام هذا الأسلوب مع وزير خارجية أميركي. لكن الفارق كان في الصورة والشكل. اضطر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن ينتظر في قاعة القصر الجمهوري لبضع دقائق قبيل دخول عون. قبلها، تعرّض وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون إلى التصرّف نفسه، لكن الفارق أن تيلرسون يومها انتظر عون جالساً، بينما بومبيو بقي واقفاً، بحضور الوفد الأميركي الذي يضمّ السفيرة الأميركية في بيروت، إليزابيت ريتشارد، ومساعدي بومبيو لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل وديفيد ساترفيلد، والوفد اللبناني الحاضر للقاء ويضم وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
لم يرض بومبيو أن يظهر في صورة مماثلة لتيلرسون، جالساً وحده على كرسيه، بانتظار دخول عون. وربما تجنّب أن يجلس ويضطر للوقوف مجدداً بعد دخول عون للسلام عليه. تحاشى ذلك، ببقائه واقفاً يتبادل أطراف الحديث مع ريتشارد وهيل، إلى أن دخل عون فألقى سلاماً بارداً على الزائر الأميركي، حتى أن المصافحة لم تكن طويلة، بل كانت جافة وسريعة، بخلاف كل السلامات من هذا النوع. فلم تسمح المصافحة بالتقاط صورة تذكارية للحظة، كما ألقى عون سلاماً سريعاً على ريتشارد، من دون أن يقترب لإلقاء التحية على باقي أعضاء الوفد الأميركي، خصوصاً هيل وساترفيلد. ومعلوم أن لقاء عون مع هيل، في زيارته الأخيرة، لم يكن إيجابياً، بينما ساترفيلد لم يلتقه أصلاً. كما أن خطوة عون تنطوي على ردّ على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لم يلتقه عندما شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. بينما ردّ بومبيو على هذا التصرّف، بعدم التوقيع على السجل الذهبي للقصر الجمهوري.

عون يتحدى
تقصّد عون إظهار هذه الصورة، وهو ينطلق مجدداً من مبدأ أنه رئيس للبلاد، وليس مضطراً لانتظار ضيفه، الذي هو وزير للخارجية، وليس نظيره. هذا من ناحية الشكل والبروتكول، أما من ناحية المضمون السياسي، فعون يقدّم نفسه "رئيساً قوياً"، لا يخضع لأي قوة خارجية، وخصوصاً واشنطن، التي تتسع مروحة الخلافات معها على العديد من الملفات، لا سيما في ظل النزعة التصعيدية التي يأتي بها بومبيو، بينما عون يرفضها، ويؤكد أن لبنان ملتزم بسياسته الخاصة تجاه ملف اللاجئين السوريين وإعادتهم، وتطبيع العلاقة مع النظام السوري وحماية حزب الله، والحدود البرية والبحرية.

رسالة عون وصلت للأميركيين، كما وصلت لحزب الله. فهو كان قد استبق الزيارة بموقف لافت حيال تطبيع العلاقات مع النظام السوري، والإصرار اللبناني على تفعيل هذه العلاقات، وإعادة اللاجئين من دون انتظار الحلّ السياسي. بينما الحزب كان قد استبق لقاء عون ببومبيو، بمواقف مشيدة بعون، وبأن لدى الحزب ملئ الثقة به. فكرّس عون تلك الثقة شكلاً ومضموناً. مضمون اللقاء لم يكن إيجابياً بين الرجلين، وفق ما تؤكد مصادر متابعة، وتشير إلى أن بومبيو ركّز على وجوب الفصل بين لبنان وحزب الله، وعدم أسر حزب الله لقرارات الدولة اللبنانية، ليؤكد عون أن الفصل موجود، وحزب الله هو حزب لبناني يشارك في الحكومة.. وهو مقاومة عندما تقتضي الحاجة. وبينما دعا بومبيو عون لعدم جعل لبنان في المركب الإيراني، أجاب الرئيس اللبناني، بأن لبنان حريص على العلاقات الجيدة مع كل القوى. ولا يمكنه أن يكون على عداء مع أي طرف، سوى مع الذين يعتدون على أرضه.

معاقبة لبنان!
دخل بومبيو إلى القصر الجمهوري بنية تغيير رأي عون، أو تغيير طريقة تعاطيه مع حزب الله وإيران، وإبعاده عن الالتصاق بهذا الحلف، لكن عون لم يقدّم أي تنازل، لا بل بقي على مواقفه، وهذا ما انسحب على مختلف العناوين التي جرى بحثها، لا سيما ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية، والتي سيبقى لبنان معارضاً لها طالما أنها لا تتوافق مع مصلحته. وحسب بعض التقديرات، فإن عون تعاطى مع بومبيو ليس من الخلفية اللحظوية للزيارة، وهو يعلم أن في النهاية سيكون هناك اتفاق إيراني - أميركي، ولو بعد الكثير من الضغط. ففضل أن يبقى على موقفه، خصوصاً أن الأميركيين لن يقدموا على فعل أي شيء مؤثر في لبنان، سوى إطلاق المواقف، والنزال الأساسي يدور في المنطقة وليس في لبنان، الذي فقط سيتأثر بالنتائج في النهاية. ورفض عون العقوبات على حزب الله معتبراً أنها تصيب كل اللبنانيين.

حسب بعض المصادر، فإن الوزير الأميركي ألمح إلى إمكانية شمول العقوبات الأميركية للدولة اللبنانية، عندما تقتضي الحاجة، مع التأكيد بأن العقوبات مستمرة على حزب الله وإيران، ولا يمكن للبنان أن يشكّل ساحة إلتفافية عليها. ومن حيث الشكل، كانت زيارة بومبيو إلى وزارة الداخلية لافتة، إذ لم تدرج العادة أن يلتقي وزير للخارجية الأميركية وزيراً للداخلية في لبنان، وقد تركز اللقاء على تناول مختلف الملفات، على رأسها ملف اللاجئين السوريين، وملف التعاون الأمني والإستخباراتي بين البلدين، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الأميركية للأجهزة الأمنية اللبنانية.

برّي والحدود البحرية
من "الداخلية" إنتقل بومبيو إلى عين التينة، حيث التقى الرئيس نبيه بري، وتركز البحث على ترسيم الحدود البرية والبحرية، وقد أبلغ بري ضيفه أن حزب الله هو حزب الله ومقاومة لبنانية ناجمة عن الإحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. كما أكد برّي أنه لا يمكن للبنان السماح بالتخلي عن حدوده البحرية، والفصل ما بين ترسيم الحدود البرية والبحرية. وأكد بري في هذا المجال، أن القوانين التي أقرها المجلس النيابي اللبناني تطابق القوانين الدولية، وتؤمن الشفافية في التداول المالي على الصعد كافة. واللافت أنه بالتزامن مع اللقاء بين بومبيو وبرّي، غرّد الوزير الأميركي على حسابه بأنه يقف إلى جانب إسرائيل.

إيجابية الحريري
اللقاء مع رئيس الحكومة كان إيجابياً، حسب ما تشير المصادر، وتلفت إلى أن بومبيو حذّر من مضي لبنان بعيداً في مسألة التنسيق مع إيران، وإفادة إيران من نفوذها في لبنان، إلى جانب وجوب تطبيق العقوبات على إيران وحزب الله بشكل كامل، وعدم السماح بالتحايل على هذه العقوبات. وفي موضوع ترسيم الحدود، أكد الحريري (حسب المصادر) لبومبيو، أن هناك مساعٍ في لبنان من أجل تحقيق تسوية حدودية، بالاستناد إلى جهة تحكيم دولية. كما أن ذلك يخضع إلى مشاورات بين مختلف القوى اللبنانية للوصول إلى نقطة مشتركة.

معطيات الزيارة توحي أن كل ما يجري يندرج في خانة تحصيل النقاط وتسجيلها، من دون الانزلاق إلى مواجهة تامة، خصوصاً أن الصورة ليس واضحة في المنطقة، ولا حتى أفق المواجهة اتضح. لكن، بلا شك، الزيارة الأميركية تأتي مرفقة بتصعيد سياسي أميركي، يتلخص بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. وهذه سيكون لها حتماً تبعات على الوضعين السوري واللبناني، وقد تحمّل تطورات عسكرية، وليس فقط سياسية.


منير الربيع- المدن