فيوليت غزال البلعة - وإنقطع التيار بين التيارين!

  • شارك هذا الخبر
Monday, March 18, 2019


واشنطن تنزلق نحو الإفلاس، فهي تغرق أكثر فأكثر في مستنقع الديون بسبب المجمع الصناعي العسكري وفساد الحكومة وتدني كفاية المسؤولين.

خبر صاعق أوردته مجلة Counter Punch الأميركية امس إستنادا إلى دراسة أعدتها منظمة Open the Government، في إنتقاد حاد لسياسات الحكومة والمسؤولين "الذين يخدعون السكان باستمرار، ويطالبون بمزيد من التمويل للإحتياجات العسكرية وينفقون مبالغ طائلة على المشتريات غير العسكرية (كرسي بقيمة 9241 دولارا، وطاقم صحون من الخزف بقيمة 53 ألف دولار، ومشروبات كحولية بقيمة 308 آلاف دولار ومأكولات بحرية بقيمة 4.6 مليون دولار). وتنفق الحكومة الأميركية أكثر بكثير مما تحصّله من الجبايات الضريبية. لذلك، تضطر للاقتراض من الدول الأخرى لتنفق على المؤسسات الحكومية الكثيرة وعلى الحروب التي تخوضها في العالم، فيما التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية في تراجع مستمر".

في النهاية، تقول المجلة "تموت الإمبراطوريات العسكرية حتما. لأنها تتوسع وتمتد أكثر من اللزوم وتسرف في الإنفاق حتى الفلس الأخير. لقد حدث ذلك مع روما، والآن هذا يحدث مرة أخرى مع الإمبراطورية الأميركية التي بدأت تنهار بالفعل". فديون واشنطن تزيد بنحو 32 مليون دولار في الساعة، وإنفاقها على حروب الخارج قارب الـ4.7 مليار دولار، فيما يفوق إنفاقها في العراق خلال كل 5 ثوان دخل المواطن الأميركي سنويا.

هذه حال أميركا، وهي تكاد تنطبق على معظم دول العالم، حيث تكاد معدلات النمو الإقتصادي تكون معدومة، وهي تدفع في العديد من الحالات، إلى حركات إحتجاجية في الشارع، ومنها ظاهرة "السترات الصفراء" الفرنسية التي إستقطبت أخيرا المحتجين على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية من دول القارة العجوز، للمشاركة في تظاهرات السبت التي تحوّلت أعمال عنف تزيد في هشاشة التباطؤ الإقتصادي.

ماذا عن لبنان الغارق حتى أذنيه في الديون والعجوزات والضغوط التي تُترجم مناكفات بين أبناء السلطة؟
يقول العارفون إن مؤتمر بروكسل 3 كان القناة التي إختار المجتمع الدولي أن يوجه من خلالها، أولى الرسائل إلى لبنان بعدما أُدخل منظومة "المعاقَبين" إلى جانب إيران وسوريا وفنزويلا، بفعل إستهداف "حزب الله" وإعتباره منظمة إرهابية... ولم يكن إستثناء وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين صالح الغريب من الدعوات للمشاركة في الإجتماع الذي قيل إنه حصد 4.4 مليارات دولار لنازحي سوريا، وبلغت حصة لبنان منها وفق مستشار رئيس الحكومة نديم المنلّا نحو 1.5 مليارا (!)، هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير بين أهل السلطة. فالملفات الخلافية كثيرة، وهي إلى إزدياد مضطرد لم يعد خافيا على أحد، ولا يعد يهمّ أحد التستر عليه أو تلطيفه.

"حكومة العمل" لم تباشر بعد بترجمة شعار أيقظ ولأمد قصير، بعض الآمال والأحلام بإنتظام الحياة الإقتصادية مع وعود بتحسّن معيشي وحياتي. فالتسوية التي أفرجت عن الفراغات الدستورية المتتالية منذ ما قبل ثلاثة أعوام، كانت هشة إلى درجة أنها إهتزت مرارا عند أصغر الإستحقاقات، وأضعفت مناعة لبنان حيال الصدمات، وهزّت مشاعر الثقة بأداء رسمي ما زال يبحث عن هوية.

مطبات كثيرة مرّ بها لبنان، وأخرى لا تزال على الطريق وهي محمّلة بضغوط تستحق قراءة متأنية تفاديا لخسائر محتومة، وخصوصا إن فقد لبنان مظلته الدولية التي حمت إستقراره حين إشتعلت سوريا وبعض دول المنطقة. فتطويق "حزب الله" بسلسلة عقوبات مفتوحة على إستنسابية أميركية، ليس "مزحة" كما يحلو لبعضهم توصيفها، بدليل ما أثارت من مخاوف لدى أهل القطاع المصرفي تحسبا من فوضى غير مضبوطة المفاعيل، وعلى كافة الأصعدة.

هذا الأسبوع، يزور بيروت وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في جولة تقوده أيضا إلى الأراضي المحتلة والكويت. هي رسالة من واشنطن إلى بيروت، حيث "يلتقي الوزير قادة لبنان لمناقشة التحديات السياسية والأمنية والإقتصادية والإنسانية التي تواجه لبنان، وسيشدد على دعم واشنطن للشعب اللبناني والمؤسسات الشرعية اللبنانية"، وفق بيان الخارجية الأميركية.

لكن، ثمة معلومات تؤكد أن الهدف هو "وقف إحتضان "حزب الله" وإيران". فالزيارة مثيرة، لأن بومبيو سيكون في عاصمة يملك "حزب الله" ميليشيا على أطرافها، ومقاعد في حكومتها ومجلسها النيابي. رغم ذلك، لا ترى إدارة دونالد ترامب، لبنان بكليته في سلّة الحزب. فهي لا تريد التعامل معه على هذا الأساس، ولا تريد حتى التعامل مع الشيعة اللبنانيين على أنهم جميعاً في سلّة "حزب الله"، بل تفرّق بينهم وبين التنظيم الموالي لإيران. بومبيو أفضل حامل للرسالة الأميركية. فهو الذي قال في خطابه الشهير في القاهرة "إن اعتقدت إيران أنها تملك لبنان، فهي مخطئة".

هي حرب عالمية يخشى أن تتخذ من بيروت مسرحا لها، فيما ينشغل أهل بيروت المديونة بخلافات ومهاترات داخلية، إرتفعت حماوتها في الأيام الماضية حين إنقطع التيار بين التيارين -تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ- وبات يتهدّد وحدة الحكومة ومستقبلها وكل أشكال الإستقرار الذي دام لأعوام، إضافة إلى مصير "معزوفة" مكافحة الفساد وفضح الفاسدين.

"ولعت بين التيارين"، هو عنوان لحرب كانت متوقعة منذ ولادة الحكومة الحريرية، سواء تفجّرت عند ملف النازحين أو الكهرباء وترسيم الحدود الغازية أو النفايات أو مكافحة الفساد. "رقبة" الحكومة عند باب الإنهيار وعلى قاب قوسين من مليارات "سيدر". أيهما يسبق؟ تصويب الإنحرافات يحتاج إلى إصلاحات لا صفقات، وهذا هو بيت الخلاف.