المراقب والمحلل السياسي ميشال جبور - بانوراما... وعود مكافحة الفساد

  • شارك هذا الخبر
Saturday, March 16, 2019

لا زالت اصواتكم تصدح من يوم جلسة الثقة الى الآن...توجيهات وتصويبات وتحليلات "سيدرية"...هذا الطبق الفرنسي الذي تنتظرونه وفيما تفعلون ذلك...مازة المائدة كانت...مكافحة الفساد. رفعتم السقوف عالياً يا مهندسي مكافحة الفساد والظاهر انكم اوهمتم اللبناني بأنكم ستعبدون طرقات السجون امام الفاسدين...ولكن مرة اخرى...ولكن...

كل فريق منكم قامت قيامته على الفساد...لن تغطوا ولن تمرروا ولن ترضوا ولن تقبلوا...ولن ولن...وماذا بعد؟ مئة يوم لمكافحة الفساد...نكتة الموسم هذه؟...دولة مهترئة بإعتراف الأغلبية وفساد سرطاني بشهادتكم وموت سريري سيضرب البلد ان...لم نكافح الفساد.

مئة يوم وبعدها ماذا؟...تعود حليمة الى عادتها القديمة؟

رفعتم السقف عالياً فظننا ان رؤوس آباء وامهات الفساد ستُقطع ولكننا ما رأينا سوى بعض ايتام الفساد الذين تم التخلي عنهم كبش محرقة هذا الفساد الأفلاطوني. بدأتم بالفساد لا دين له واصبحتم الصف الأول امام حقوق الطائفة وشرف الطائفة...بدأتم بأن الفاسد لا يمثل الطائفة ومن ثم استجمعتم كل الطائفة للدفاع عنه. اقنعتونا في البدء انكم لا تريدون تسييس ملف الفساد وإذ بسحر ساحر اصبح الفساد بيد الأحزاب والقضاء...باليد الأخرى...للأسف ذلك لا يبشر بالخير...لا خير ولا خيرات وهيهات يا سيدر...سيدر على ما يبدو اجبركم على ما لا تريدونه عن قناعة فأتت مكافحة الفساد،الى الآن، مبتورة.

الإصلاح سند مكافحة الفساد...وننتظر منكم إن يوماً احترمتم المسؤولية الملقاة على عاتقكم أن تندفعوا دون أية عوائق طائفية أو شعبوية أو حزبية لكي تنهضوا بقطاعات الوطن جمعاء لأن الإصلاح هو قرين محاربة الفساد. دعوا الوطن ينفض الغبار...غبار الفساد...عن رأسه واكتافه ومن ثم عن باقي انحاء جسده لكي تكون العملية ناجحة. مكافحة الفساد هي عملية دائمة ويجب ان تكون مستمرة وليس فقط لزمنٍ محدود بل دؤوبة وعميقة لإستئصال كل الأورام التي تتربص بتقدم البلد.

لا يخفى على احد ان الرؤوس الكبيرة في الفساد ستغطي انفسها بكبش محرقةٍ من هنا وبمؤتمرات رنانة من هناك...عليكم بضرب كارتيلات الإحتكار الذين يأخذون معيشتنا رهينة كل يوم نحيا لنرى فيه النور. قوموا بجولة في الدوائر والإدارات وستفهمون كيف ان هنالك مئة مدرسةٍ ومدرسة من الفساد...أكلُّ ذلك وليد بعض صغائر الفساد أم له معلمٌ كبيرٌ يجلس في مغارة ما؟

هذا الثلم الأعوج في يوميات اللبناني آتٍ دون محال من الثور الكبير. نعم، فساد مزارع... والمال السائب يعلم الناس الحرام...في كل دارةٍ مزرعة فساد وصفحات سوداء من انحلال الأخلاق...وهل تظنون أن الشهادات المزورة هي مجرد عينة من الفساد؟...بل هي وقاحة في الفساد قامت بها نفوسٌ رخيصة سولت لها نفوسٌ حقيرة بالقيام بهذه الفعلة التي تضرب الوطن في صميم حضارته...هذا هو الفساد بعينه.

أعلنوا مكافحة انقطاع الكهرباء وأعلنوا مكافحة التوظيفات العشوائية وأعلنوا عن كيفية ترتيب الأمور في البيت الداخلي...أين الإصلاح الذي سيساند محاربة الفساد؟...كيف ستعالجون كل ذلك؟...كيف ستنهضون بالإقتصاد؟...عبر توقيف بعضاً من شتات الفساد...؟

أين أب الفساد وأين أمه؟...البناء الوسخ ينظّف من اعلاه الى اسفله...تبحثون عمن سرق حفنة من الليرات وتغضون النظر عمن هدر مليارات من مال الخزينة وملك الشعب...
وفي كواليس مكافحة الفساد...هذا المواطن الذي ضرب اهتراء الدولة مفاصله...هذا المواطن الذي تعود على السكوت،وانتم تعدونه بفتات...والظاهر... ان مكافحة الفساد عندكم بالفتات.

ماذا سنفعل بمرتشٍ من هنا ومزورٍ من هناك...تلاحقون بعضاً من الفكة الفاسدين وهذا اقل واجباتكم وادنى حقوق المواطن عليكم. نقول لكم عليكم بالرؤوس الكبيرة...فالفاسد اياً كان حجمه لم يولد يتيماً وله معلم... واقل ما ننتظره منكم هو ان تفهموا بأنكم مكشوفون وأن مسرحيات الفساد لا تُلعب فقط بالكومبارس بل لها ايضاً ابطال وهذا هو مطلبنا...نريد ان تُقطع يد الفساد من أصلها...تريد ان تقنعونا فعليكم بغسل الدرج من أعلى إلى أسفل وليس بالعكس...الوطن والمواطن لا ينتظر منكم اصطفافات طائفية وشعبوية ومناطقية كما جرت العادة لأن هذا لا يقال عنه الا تمثيلية هزلية نهايتها العودة الى الوراء والإضمحلال والذوبان في خلافات طائفية لا طائل منها.

خطاباتكم علت ومنابركم لم تهدأ ونحن شاهدون وكلكم ابرزتم انياب الأسود على الفساد ولكن سؤالنا الأهم ما الذي تريدونه انتم من مكافحة الفساد؟...أتريدون ان توهموا رجال الأعمال الأوروبيين أنكم تصلحون البلد لكي يأتوا فيستثمروا معكم وفيكم...أم تريدون أن ترضوا الأم الحنون فرنسا لكي لا تقطع عنكم. وماذا عن ذهابكم الى مؤتمر بروكسل؟...ايضاً لجلب الأموال على حساب الشفقة اللبنانية لكي...تحتفظوا بالنازحين...أتتسولون على حسابنا؟

ليس المطلوب في مكافحة الفساد ان تقبضوا على سارقٍ من هنا ومعقب معاملاتٍ من هناك...لمكافحة الفساد عليكم بمكافحة الستة وستة مكرر...لمكافحة الفساد عليكم بمكافحة التوظيفات عبر المحسوبيات والإستزلام...لمكافحة الفساد عليكم بمكافحة صفقات التراضي والتعيينات بالتوافق الطائفي الحزبي والذي يقود دائماً الى نفس النتيجة...لا نتيجة وفساد اكبر عبر محسوبيات عفنة يركبها بعض الوصوليون فيصبح الشخص الغير مناسب في المكان المناسب...لمكافحة الفساد عليكم ايضاً بالإصلاح...لن يزول الفساد دون الإصلاح،أين هي سياساتكم المصرفية التي صُرفت لأجلها مليارات الدولارات ولكنها لم تساعد بل زادت الطينة بلة...لا سياسة اسكانية على المدى الطويل...مصارفٌ اغتنت من جيوب الفقراء وتوقف نمو البلد،لا اسكان ولا وظائف...أليس هذا بفسادٍ ويجب محاربته...؟

ونذكر أن أهم ما قيل في مكافحة الفساد كان على لسان السيد حسن نصر الله الذي احسّ كما دائماً بوجع الناس وحاجة المواطن وعرف انه آن الآوان في هذا العهد لوضع حد وحل جذري للمأساة التي تستفحل يوماً بعد يوم...ونحن بانتظار الوعد الصادق في دعم العهد ومحاربة الفساد ونشد على ايديه بعدم التراجع قيد أنملة وإلا ذهبت كل الإنجازات السابقة في مهب الريح وضاعت نتائجها...لقد وضع السيد حسن محاربة الفساد بمصاف محاربة اسرائيل واسماها مقاومة الفساد ولا شك لدينا بذلك إلا أننا نشدد في طلبنا ان تكون محاربة الفساد اشد ضرواة وتصميماً من محاربة اسرائيل لأن الفساد اسوأ من العدو الإسرائيلي...لطالما واجهنا العدو وقويت عزيمتنا اكثر لكن الفساد الذي ينخر مؤسساتنا قد احبط عزيمة الكثيرين واستسلموا له وهذا ما يدفعنا الى رفع الصوت والمطالبة بوعدٍ صادقٍ جديدٍ يعيد ثقة الناس بالدولة...سنرفع الصوت وسنقاوم من أجل نظامٍ قضائي نظيف ونزيه وسنتطلع الى تنقية الجسم القضائي واعادة هيكلة قوى امنية تعمل بشرف وبكد لكشف الفاسدين مهما علا شأنهم.

إننا على ثقة بأن من فتح ملفات كبيرة هو على قدر المسؤولية في المرحلة الآتية...هذه الملفات التي كانت موضوعة جانباً وقد أعيت الإنتظام العام وجعلت الفرقاء يتراشقون التهم حتى أنه خُيِّل لنا انهم في النهاية سيتهمون الشعب بالفساد...وإننا واثقون إن من ينبثق من محبة الناس لا يمكنه الا ان يتحمل المسؤولية كاملة وسيتابع ملفاته الى آخر بندٍ فيها والى خواتيمها لإجتثاث الفساد من عقر دار هذا الوطن الغالي لبنان.