فيوليت غزال البلعة- عهد إنفاق الـ11 مليار دولار

  • شارك هذا الخبر
Monday, February 11, 2019

سريعا، وقع ما كان يخشى اللبنانيون أن يصيب حكومة إنتظروها طويلا لتفرج ضيقا إمتدّ أفقه وتشعبّ أزمات طالت كل مفاصل حياتهم اليومية. يوم ولدت حكومة التسعة أشهر، أفرجت النفوس عما يختمرها من مشاعر تفجّرت إشتباكات سياسية متقطعة لا تبشر بخير مرتجى في مرحلة تتطلب الكثير والكثير من التوافق.

فالمليارات على باب البلاد، تنتظر مَن يحررها من شروط إصلاحية لتنساق في مسارب علنية قبل أن تصل إلى المبتغى: بنية تحتية مهترئة وعاجزة عن تقديم خدماتها إلى مستثمرين ومستهلكين باتوا محكومين بسلة أعباء تطفّلت على جيوبهم لتزيدها كلفة ما كانت في أي حسبان.

هلّل الجميع لتوليد الحكومة بقوة القادر، لأنه أشاع مناخات إيجابية ترجمتها أسواق الدين اللبناني في الخارج، حيث وصلت كلفة تأمين تلك الديون إلى أدنى مستوى لها هذا العام. كذلك، إنخفضت مقايضات العجز الائتماني للبنان لمدة 5 سنوات، أو سعر التأمين على الدين السيادي مقابل العجز عن السداد، إلى 694 دولارا الأسبوع الماضي من 900 دولار في كانون الثاني/يناير، وهو مستوى لم يشهده منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

لكن الأسواق لم تتلمس سريعا المشهد التغييري الذي يفترض أن يفتتح عهد إنفاق الـ11 مليار دولار من أموال المانحين الدوليين التي ختمها مؤتمر "سيدر" بباقة إصلاحات مطلوب تنفيذها لمكافحة الفساد ولضبط الإنفاق العام الذي تكبّد خسارة مزدوجة دفعة واحدة، مرة مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب الضخمة، وثانية مع التوظيف العشوائي الذي شارف، وبإقرار وزير المال علي حسن خليل، خمسة آلاف وظيفة إنتخابية، في مخالفة فاضحة للقرار الحكومي القاضي بوقف التوظيف.

يُنقل عن بعض النواب أن ملفات الكهرباء والنفايات والخصخصة والنازحين ستشكل مواضيع إشتباك سياسي بين أركان الحكومة، نظراً إلى دقتها وحساسيتها والأموال التي ستُصرف لتحقيق إنجازات فيها. كلام تؤكده الوقائع اليومية في خطابات المسؤولين وحركتهم التي تنقلها الكواليس، لتوحي وكأن ثمة مَن يستعجل الفرص لإقتناصها.

هذا ما أوحى للإقتصادي في "بنك الإمارات دبي الوطني" دانيال ريتشارد للقول "إن المصالح السياسية العديدة والمتنوعة بشكل كبير، والتي تشمل الحكومة اللبنانية ستظل تهدد وتيرة الإصلاحات. لكن على الأقل في الوقت الراهن، أتاح تشكيل الحكومة لحملة السندات اللبنانية تنفس الصعداء".

وفي تقرير له هذا الأسبوع، رأى أن الإلتزام الواضح بالإصلاحات "هو أمر مشجع وسيساعد على وقف النمو في مستويات الدين في لبنان. ورغم أن التحديات الكبيرة التي يواجهها الإقتصاد اللبناني لا تزال قائمة، يبدو أنه تمّ تجنّب خطر حدوث أزمة في الوقت الراهن". فلبنان وبالأرقام، لا يزال يحتفظ بإحتياطيات تعادل نحو 11 شهراً من السيولة الكافية لتغطية كلفة الإستيراد. وستقوم الحكومة الجديدة "بكل تأكيد" بتقديم تدابير التقشف لتعزيز الثقة في الأسواق الدولية وسندات اليوروبوند، وفقاً لشركة Eurasia Group، الرائدة في مجال تحليل المخاطر السياسية والإستشارات.. لكن الأمر لن يكون سهلاً.

فالإصلاحات التي أعلن لبنان إلتزامه تنفيذها، هي أكثر من ضرورية ليس لتلبية مطالب المجتمع المالي بل لإنعاش إقتصاده وتنقيته من الشوائب التي تعوّق عودته إلى النمو، والذي بدأت التوقعات تشير إلى انه لن يتجاوز سقف الـ0.9% لهذا العام. لكن تلك الإصلاحات، ورغم كثرة الكلام حولها، لن تكون "طموحة" بشكل مفرط، ويمكن أن تتباطأ على الأمد الطويل، وخصوصا إن بقي بند "الإنفاق" عاصيا على التخفيض في حكومة إستغرق تشكيلها تسعة أشهر ورسخّت وجود "حزب الله" فيها. هكذا يقول تقرير "كابيتال إيكونوميكس" الصادر قبل أيام، مرجحا أن يثير الحزب حال "ذعر" في الخليج بشأن دوره المستقبلي، "مما قد يفضي إلى عدم إمتثال سعودي بإلتزامات سابقة (تعهّد بتوظيف نحو 500 مليون دولار في سندات يوروبوند لبنانية على غرار مبادرة قطر التي أعلنت عقب اجتماع القمة الاقتصادية العربية في بيروت)، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تجدد الضغوط على ميزان المدفوعات، وتاليا، إلى عمليات بيع جديدة في الأسواق المحلية".

فالسعودية التي كانت تقليدياً راعياً إقتصادياً لبيروت وأحد كبار مستثمريها، امتنعت، وفق "كابيتال إيكونوميكس" عن تقديم حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار في 2016 لإمتعاضها من قوة "حزب الله" المتصاعدة. وتقول "يتساءل المراقبون الآن عما إذا كانت المساعدات من دول شريكة ستأتي مع شروط مرفقة، وما إذا كان الدعم المالي الذي يحتاجه لبنان سيرتب عليه كلفة سياسية".

المهم هو الإتعاظ من التجارب القريبة. فموجة الأخبار الإيجابية الأخيرة أدت إلى تهدئة المخاوف من حدوث إنهيار إقتصادي في لبنان يصل دينه العام إلى نسبة 160% من الناتج المحلي، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم. رقم دفع وكالة "موديز" الشهر الماضي، إلى خفض تصنيفها الإئتماني للبنان من B3 إلىCaa1، بسبب مخاوف من عجزه على تسديد ديونه الضخمة.

هذا الأسبوع، تقف "حكومة العمل" أمام إمتحان البيان الوزاري، حيث لا مخافة عليها من إنتزاع ثقة مَن تمثله من الأحزاب السياسية في البرلمان. لكن، عليها العمل سريعا لكسب ثقة المجتمع الدولي من خلال التخلي عن سياسات المحاصصة والصفقات التي أنهكت الخزينة بعجز ودين يتعاظمان، ولا قدرة لضبطهما إلا بإصلاحات شفافة ينتظرها "سيدر" بفارغ الصبر ليحدّد موقع لبنان على الخريطة العالمية: فإما إلى الضوء مجددا ليكون مقصدا جاذبا، وإما إلى العتمة الكفيلة بطيّ صفحة بلد يرغب بشدة في الكشف عما يختزنه من ثروات بشرية وطبيعية كفيلة بإستمراره. إنه "عهد إنفاق الـ11 مليار دولار"...