فيوليت غزال البلعة- قمة الخلافات والإختلافات

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 21, 2019

ليس هو اللقاء العربي الأول في لبنان، ويؤمل في ألا يكون الأخير. فالقمة العربية التي أطلقها الملك فاروق عام 1946 في أول لقاء في أنشاص بمصر، حلّت ضيفة على لبنان مرتين: أولى عام 1956ن بدعوة من الرئيس كميل شمعون إثر الإعتداء الثلاثي على مصر وقطاع غزة بمشاركة 9 رؤساء عرب. وناصرت في بيانها الختامي مصر ضد العدوان الثلاثي، وشرّعت "حق الدفاع عن النفس" في حال عدم إمتثال الدول المعتدية لقرارات الأمم المتحدة وإمتناعها عن سحب قواتها، مؤكدة على إعتبار سيادة مصر هي أساس لحل قضية السويس.

وكانت قمة بيروت الثانية عام 2002، من الأكثر أهمية في تاريخ القمم العربية، إذ خلصت الى إطلاق "مبادرة بيروت للسلام" التي تبنت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (كان ولياً للعهد السعودي يومذاك) في شأن تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية شرط الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، كما شهدت انفراجا نسبياً في العلاقات المأزومة بين الكويت والعراق وانفراجا آخر في العلاقات السعودية العراقية.

وعلى هامش القمم السياسية، أطلقت الجامعة العربية "القمة العربية الإقتصادية والتنموية" بناء على قرار تبنته قمة الرياض عام 2007 إستجابة للمبادرة المشتركة التي تقدمت بها مصر والكويت لعقد قمة إقتصادية. الدورة الأولى إنطلقت من الكويت عام 2009، وإستضافت بيروت نهاية الأسبوع أعمال الدورة الرابعة.

لكن، وفي معزل عن النتائج والمقررات والبيانات والصور التذكارية، لن تعود بيروت بعد القمة كما كانت قبلها. فالأجواء عابقة، محليا وفي المنطقة، بدليل تسلسل الأحداث وتطوّرها على نحو "إنعكس" على حجم المشاركة الرئاسية في قمة بيروت، و"عكس" تلبّد أفق العلاقات ما بين الأخوة-الأعداء.

ليس المهم النظر إلى المقررات، فالبيان الختامي وعلى غرار كل القمم العربية، لا يخلو من "كليشيهات" ثابتة مع عناصر متحركة وفقا للتطورات. قمة بيروت ناشدت المجتمع الدولي "تحمّل مسؤولياته للحد من مآساة النزوح واللجوء ودعم الدول المضيفة وإقامة المشاريع التنموية للمساهمة في الحدّ من الآثار الاقتصادية والإجتماعية، ومضاعفة الجهود الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين بما ينسجم مع الشرعية الدولية ويحترم سيادة الدول المضيفة". وكلّفت الامانة العامة بالدعوة لعقد إجتماع يضمّ الجهات المانحة والصناديق العربية بمشاركة الدول العربية المستضيفة، للإتفاق على آلية واضحة لتمويل هذه المشاريع.

وكان الإستثناء في إعلان وزير خارجية الكويت صباح الخالد الاحمد الصباح عن مبادرة أمير الدولة لإنشاء صندوق للإستثمار في مجال التكنولوجيا والإقتصاد الرقمي برأسمال 200 مليون دولار بمشاركة القطاع الخاص. وإلتزم فورا بإعلان مساهمة الكويت بـ50 مليون دولار، لتلحقه قطر بمساهمة مماثلة.

لبنان، قال ما له وعليه. قبل القمة، موقف داخلي متحفظ على تغييب دولة معُلّقة عضويتها في الجامعة العربية ودعوة أخرى تبقي ملّف إختفاء الإمام موسى الصدر معلقا ومفتوحا على "لا مصير"، تطوّر إلى حدّ مقاطعة ما كان يمكن إقتناصه من فرص لدعم البلاد في محنتها. وفي المقابل، موقف آخر داع وداعم تُرجم بحضور 24/24 تلبية لمعايير إنجاح القمة، وإن إقتصر حضور الصف الأول على رئيس موريتانيا وأمير قطر، وخلص إلى إطلاق الرئيس ميشال عون مبادرة لإعادة الإعمار تتضمن تأسيس مصرف عربي لمساعدة المتضررين.

اليوم، أسدل لبنان ستارة القمة وعاد مجددا إلى الواقع: ماذا عن المرحلة المقبلة، والبلاد بلا حكومة تحكم وتقرّر وتنفذ ما تقرّر بالأمس وما قبله؟ إلى أين المسير ولبنان في "خطوات مهمة تحضيراً لمرحلة واعدة، تستهدف النهوض بإقتصاده وإستعادة موقعه كمركز إقتصادي ومالي مرموق في المنطقة"؟، وفق هواجس القطاع الخاص التي نقلها رئيس الهيئات الإقتصادية محمد شقير.

لا شعارات القمة ولا بنودها الـ26 ستقي اللبنانيين شرّ القادم من الأيام، إن لم يلتقط لبنان "إشارات إيجابية" تردّد أمس أنها أطلقت مجددا لحلّ معضلة الحكومة. فالوعيد لاح في الأيام الماضية متهدّدا بإطاحة كل آفاق مشرقة قد تفضي إلى نهضة متجددة. كان يمكن للوديعة القطرية، لو لم تكن شائعة مغرضة، أن تسدّ أفواه المتحاملين على الليرة اللبنانية والقطاع المصرفي. وكان يجوز أن تنجح المساعدات في قفل بعض الفجوات المعيشية والإجتماعية. لكن، ما من بديل عن الأصيل. فالنمو الحقيقي يجب أن يكون "صُنع في لبنان"، متوّجا إنصهار عوامل مؤثرة، أبرزها الإستقرار السياسي والأمني. وبدونهما، لا كلام يفيد ولا سلام يغني.

محاولات متجددة لإنقاذ لبنان من مأزق الحكومة على وقع "كلنا إلى الشارع"، حركة الرفض الجديدة للممارسات الحكومية بتوقيع الحزب الشيوعي والحراك المدني. "سيدر" و"ماكينزي" ونفط لبنان في إنتظار ما يمكن أن يفرج أسره من خلافاته الداخلية لا إختلافاته وفرادته... فالقمة الإقتصادية بنجاحها أو فشلها، هي خاصة لبنان، الدولة العضو في الأسرة العربية المنقسمة على نفسها، لا المجتمع اللبناني كما سائر مجتمعات المنطقة، الذي يفيق مع كل يوم، على أفواه جائعة تتزايد مع إنحسار مكوّنات النمو والإزدهار والبحبوحة.

قمة بيروت ستبقى "قمة الخلافات والإختلافات" ما دام المناخ العربي عابقا بكل أنواع العواصف العاتية. ماذا بعد؟ الجواب لا بد آت وقريبا...