تفاصيل عن توقيف نجل فاضل وإخراجه

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, January 16, 2019

"في قوّة تنفيذ القانون، قوّتك الحقيقية يكون مصدرها النظام الذي تمثّله ويجب أن تؤمن بأنه يساندك، ولكّنه أحياناً لا يفعل... احياناً يكون ضعيفاً وفاسداً للغاية، لدرجة أنك لا يمكنك الثقة به. ماذا ستفعل حينئذٍ، حينما يحاول النظام العبث بك؟".

منذ أن بدأت بعرض برنامج بالجرم المشهود سنة 2012 ومن خلال مواكبتي لمئات التحقيقات والمداهمات مع قسم المباحث الجنائية العامة ومكتب مكافحة المخدرات، كنت أُسأل من قبل الكثيرين اذا ما كانت المكافحة جديّة أم لا. كان جوابي دائماً بأن هناك بعض الشوائب والثغرات مثل اي ادارة عامة في لبنان، وبأنه قد يحصل وجود ضباط وعناصر مرتشين وفاسدين، وبأنّ الأخيار يتغلّبون على الاشرار. وكنت أرى من يضحّي بأمواله ووقته لإتمام واجبه ومنهم من تعرَض للقتل والاستشهاد في سبيل واجبه، وكنت شاهداً على ذلك. ولكنني أيضاً كنت أوجّه أصابع الاتهام (الموثّقة) الى قضاة غارقين في دائرة الفساد، اذ كانوا يتساهلون في اطلاق الاحكام على تجار المخدرات، وغالباً ما رأيت عناصر مكافحة المخدرات محبطين وخيبة الامل بادية على وجوههم بسبب قرارات قضائية واخلاء سبيل تجّار مخدرات استغرق توقيفهم جهوداً مضنية.


حسناً، في الفترات الماضية كنت على قناعة بأنّ الفساد لم يتخطّ المعقول ولا يزال ضمن السيطرة، وكنت أجيب على هذا السؤال بأن هناك استحالة لتحويل الأسود الى أبيض أو العكس، الا أنّ هناك بعض الثغرات في التحقيق قد تؤدي الى تخفيف الاحكام على مروّجي وتجّار المخدرات.
أمّا ما حصل في قضيّة توقيف أحد مروّجي المخدرات الاسبوع الفائت فهو سابقة خطيرة في اطار مكافحة المخدرات. ففي الاسبوع الماضي تمّ توقيف أحد الاشخاص المشتبه بهم بترويج المخدرات وضُبط معه ميزان دقيق يستعمل في العادة لتحديد وزن المخدرات. تمّ القاء القبض على المروّج وتمّ احتجازه في فصيلة درك زوق مصبح. وصلت البرقية الى مكتب مكافحة المخدرات لاجراء المقتضى ووصل الخبر الى ذوي المشتبه به. فالاخير هو "ن.ف" نجل أحد مستشاري وزير ورئيس تيّارٍ سياسي وتكتّل برلماني، وكان من الطبيعي أن تتمّ المراجعات لإخلاء سبيله.
بدأت المرحلة الاولى حين توجّهت دورية من مكتب مكافحة المخدرات المركزي الى الفصيلة المذكورة لاستجوابه هناك لاجراء المقتضى. الثّغرة الأولى حين قام أحد الضباط بالطلب من محقّق المخدرات الإسراع في الاجراءات القانونية وأخذ اشارة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، وهكذا حصل. ولكن عندما طلب المحقق من المشتبه به أن يعطيه الرمز السري للهاتف الخلوي المضبوط معه من أجل التوسع بالتحقيق كان الأخير يرفض هذا الامر بحجّة أنّه نسيه. حسناً، من عادة كل مشتبه به أن يحاول اخفاء الادلة وأن يرفض تشغيل الهاتف الذي قد يحتوي على معلومات قيّمة قد تورّطه بترويج المخدرات وتوصل الى أشخاص آخرين قد يكونون يعملون معه، وهنا يضطرّ المحقق الى التوسّع بالتحقيق وكسب المزيد من الوقت (المهلة القانونية هي أربعة أيام). وهنا طلب المحقق من رؤسائه نقل الموقوف من فصيلة الدرك الى مكتب مكافحة المخدرات في ثكنة حبيش للتوسع معه بالتحقيق ولتشغيل الهاتف، فحصل تضارب في الآراء، الى أن قرّر أحد الضباط الابقاء على التحقيق في الفصيلة بحجّة أنه يريد أخذ افادة الموقوف بسرعة لأخذ اشارة النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون التي لها كلمة الفصل في توقيفه أو اخلاء سبيله. الا أن أحد رؤساء المحقّق كانوا يطلبون منه انهاء التحقيق بسرعة ومخابرة القاضية عون. وبالفعل، ومن دون ان يتمّ تشغيل الهاتف بسبب رفض المشتبه به (هذا الأمر ليس خياراً بالنسبة الى الموقوفين)، تمّ الاتصال بالنائب العام الاستئنافي التي أعطت الاشارة بتوقيف المشتبه به وتحويل الملفّ اليها. وبعد حوالي النصف ساعة عاودت القاضية عون الاتصال بالمحقق وأعطت اشارة جديدة تقضي بإخلاء سبيل الموقوف بحجّة أنه لا يريد أن يفوّت عليه موعداً مهماً في احدى السفارات بشرط أن يعود في اليوم التالي ويسلّم نفسه الى فصيلة زوق مصبح. وهكذا حصل.


خرج الموقوف وعاد في اليوم التالي ليسلّم نفسه ويقضي ليلته في الفصيلة. وفي اليوم الذي يليه تمّ تحديد جلسة للموقوف عند أحد قضاة التحقيق في جبل لبنان. أما قاضي التحقيق في بعبدا نديم الناشف فأخلى سبيله في اليوم نفسه ووافقت النائب العام على القرار ليتمّ إطلاق سراح مشتبه به، من دون التوسّع بالتحقيق ومن دون معرفة محتويات هاتفه ومن دون معرفة لمن يعود الميزان الحسّاس المضبوط.
لسنا هنا بصدد إصدار الأحكام او اتهام "ن.ف" بترويج المخدرات، ولكن الاجراءات التي اتّبعت بحدّ ذاتها كانت كفيلة لطرح الكثير من علامات الاستفهام. فوجود ميزان دقيق لوزن المخدرات بحوزة المشتبه هو دليل قوي لاتهامه بالترويج، ثم عدم قبوله بإعطاء رمز هاتفه السرّي الى المحقّق بحجّة انه "نسي الـpassword" فهو أيضاً دليل آخر على ان هناك ما يخفيه. أما قبول قاضي التحقيق بإخلاء السبيل من دون التوسع بالتحقيق أو احضار المشتبه به الى ثكنة حبيش أو اجباره على تشغيل الهاتف فهو أمر لا يصبّ بمصلحة الضبّاط الذين يشرفون على التحقيق. فهل من المقبول أن يتحوّل رتباء التحقيق في مكتب مكافحة المخدرات الى ما يشبه عمّال "الديليفري" يقومون بالتنقل بين الفصائل والمخافر وسَوق المشتبه بهم الى المحكمة مع علمهم بأن فترات احتجازهم لن تتعدّى بضع ساعات؟ كيف سنطلب من هؤلاء من اليوم فصاعداً أن يداهموا ويطاردوا المروّجين وتجار السّموم ويعرّضون أنفسهم للقتل؟

نحن كنّا أحجمنا عن ذكر اسم مستشار الوزير لأن الهدف ليس التشهير به أو بنجله، لا بل نتعاطف مع الأب المفجوع من هذه الناحية، وكل ما يهّمنا من هذه القضية أن نضع هذه المعلومات برسم وزير العدل اللبناني القاضي سليم جريصاتي وبرسم الرأي العام، لعلّ القضاة يستجمعون قواهم ويستردّون هيبتهم في وجه التدخلات السياسيّة المستمرّة والتي أصبحت مفضوحة.
إلا أنّ والد المشتبه به قام بوضع منشور على صفحته الخاصة على "فايسبوك" وتناقلته بعض المواقع الاخبارية يقول فيه إنّ ابنه ضحية تعاطي حشيشة الكيف وما من دليلٍ على تورّطه بالترويج وبأنّ القضية تمّ استغلالها من قبل المغرضين للتشهير به وبنجله. أما نحن فنقول بأن هذا الوالد لا يُحسد على موقفه ولكن كان الأحرى به أن يترك التحقيق يأخذ مجراه لكي تتثبّت البراءة، فالتحقيق كما حصل، عدليّاً وقضائيّاً، هو من وضع نجله، كما القضاء، في خانة الاتهام.
اتهام لن يعفيه بيان دفاعٍ قد يصدر، كالعادة، عن وزير العدل...

- رياض طوق -


MTV