نبيه البرجي- قطع الطريق على... الطوفان

  • شارك هذا الخبر
Sunday, December 16, 2018

إذا كان لويس الرابع عشر قد قال «من بعدي الطوفان»، ماذا يقول الآن دونالد ترامب؟ وماذا يقول الآن محمد بن سلمان؟

ليكن الطوفان، وحتى الطوفان النووي...!

لا نوح آخر في القاعة، لكي يعيد انتاج البشرية، بنسخة أكثر سوءاً من النسخة الأولى. لا اجابة لدى أساقفة الغيب (أساقفة الغيبوبة) على هذا السؤال : لماذا التوقف عن ارسال الأنبياء، وأزمنتنا الراهنة قد تكون الأكثر حاجة الى «جراحة الهية»، بعدما وجد على الأرض من يستطيع، في ثوان، ازالة كل ما على الأرض؟

في الأدبيات المسيحية ان الله بعث بابنه فعلّقوه على خشبة. هل تنتظرون أن ينزل شخصياً؟ الفيلسوف الفرنسي لوي ألتوسير كتب «ربما لدى الله مشاغله الأخرى، كأن يكون يكتب مذكراته لغسل يديه من هذا العالم الذي ربما صنعه ليتلهى به في أوقات بيسمارك قال «ان الله يحب السذّج، والسكارى، و... أميركا».

في الأدبيات الاسلامية، قال محمد اقبال، الأب الروحي لباكستان، «ان الله ألغى النبوة بعد محمد ليلقي على الانسان مسؤولية صياغة الأزمنة «.

أدونيس كتب «ان الايمان بأن محمد خاتم الأنبياء، وأن لا وحي بعد الوحي المحمدي، يمكن تأويله على أن الله ما عاد لديه أي شيء ليقوله، وأن العرب، بعد الوحي، ما عاد لديهم أي شيء ليفعلوه».

بماذا يمكن وصف الحالة العربية الآن سوى كونها أقصى حالات الجحيم ؟!

لا نتصور أن صحيفة «معاريف» الاسرائيلية اخترعت خبر لقاء قمة محتمل بين دونالد ترامب، ومحمد بن سلمان، وبنيامين نتنياهو. منذ نحو شهر، كتبنا، في هذه الزاوية، أن رهان ولي العهد السعودي، في الوقت الحاضر، على رئيس الحكومة الاسرائيلية ليكون خشبة الخلاص.

بعد عودة الكونغرس الى فرض الشراكة مع السلطة التنفيذية في صناعة السياسات الخارجية، وهو ما تجلى في القرار الأخير لمجلس الشيوخ، وبالاجماع، حيال الأمير السعودي، لم يعد من خيار أمام الرجل الا أن ينقل اتصالاته، ولقاءاته، واتفاقاته، مع نتنياهو من الظل الى الضوء.

هذا هو الزلزال الذي ينقذ ولي العهد، ويرغم أعضاء الكونغرس على العودة، مطأطئي الرأس، الى مقاعدهم. أن يظهر رجل السعودية الأول، ورجل اسرائيل الأول، جنباً الى جنب ليعلنا السلام الأبدي بين الطرفين، على ان تتولى المملكة بناء الهيكل، ولو بحجارة المسجد الأقصى، ولو بخشب الأرز.

من هنا تبدأ صفقة القرن التي، «بسهولة»، تجتاح العراق، وسوريا، والأردن، ولبنان. هنا يتساءل الصحافي الأميركي روجر كوهين «ماذا يحصل اذا ما اتفق الأتراك والايرانيون على مواجهة هذا السيناريو، وثمة دلائل كثيرة على أنهم جاهزون لذلك ؟».

هذه هي الورقة الذهبية بين يدي أنقرة وطهران، وحتى بيد الكرملين للحيلولة دون التسونامي الأميركي ـ السعودي ـ الاسرائيلي واجتياح المنطقة.

المؤسسة اليهودية التي يدرك الجميع مدى قدرتها الأخطبوطية على ادارة الخيوط، تتبنى كلياً مسار الصفقة ان باللغة الديبلوماسية أو باللغة العسكرية.

تركيا لن تبقى، في اي حال، بمنأى عن الطوفان. أشياء كثيرة في أي خطة للـمواجهة، او في اي خطة للاحتواء، تتوقف على خطوة كبرى يقدم عليها رجب طيب اردوغان، وقد بلغت علاقاته مع السعودية حدود الانفجار، وقد مضت علاقاته مع اميركا في الانحدار. هو الذي يعلم كيف تلعب ادارة دونالد ترامب، تكتيكياً، بالورقة الكردية التي تهدد، حكماً، «البنية الجيولوجية» للدولة التركية.

أن يعيد اردوغان النظر في سياساته حيال دمشق التي رأت فيه، ذات يوم، الجار والشقيق. الآن وليس غداً، أي قبل الطوفان. أن يمد يده الى بشار الأسد. على الأقل لانقاذ نفسه.

الخطوة التي لا بد منها تقلب السيناريو اياه رأساً على عقب. في هذه الحال، أي جدوى لاقامة واشنطن «الحلف السني» الذي لا علاقة له بالسنّة الذين ترفض الغالبية المطلقة منهم أن تكون الأداة الأميركية أو الأداة الاسرائيلية.

لا مجال للانتظار، أو للتــسويف. الاتصالات على قدم وساق لتظهير المشهد الثلاثي (ترامب ـ بن سلمان ـ نتـنياهو)، دون الاستخفاف بالتداعيات الدراماتيكة للمشهد، وان كان هناك من يرى أن ولي الـعهد السعودي لا يجازف فقط بالعرش، بل قد يجازف بالمملكة ان أعلن السلام مع اسرائيل.

الأمير الشاب يدرك، حتماً، دقة وخطورة التفاعلات المعقدة داخل بلاده، ولكن..

الآن لعبة الجحيم. أيها السيد اردوغان، لقد دقت ساعة العودة الى... الوعي !